سورة المائدة - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


{وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} [المائدة: 5/ 48- 50].
نزلت آية {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ...} في جماعة من اليهود، قال ابن عباس: قال كعب بن أسيد، وعبد اللّه بن صوريا، وشاس بن قيس: اذهبوا بنا إلى محمد، لعلنا نفتنه عن دينه، فجاءوه، فقالوا: يا محمد، إنك قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم وساداتهم، وأنا إن اتّبعناك اتّبعتنا يهود، ولم يخالفونا، وأن بيننا وبين قومنا خصومة، فنحاكمهم إليك، فتقضي لنا عليهم، ونؤمن بك، فأبى ذلك، وأنزل اللّه فيهم: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ} إلى آخر الآية وما بعدها وهي قوله: {لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.
ومعنى الآيات الكريمات: وأنزلنا إليك أيها النّبي القرآن الكريم الذي أكملنا به الدين، مشتملا أو متضمّنا الحقائق من الأمور، وهي تمثل الحق في نفسه، وصلاح العباد جميعا، والقرآن مصدق ومؤيد ما تقدمه من الكتب المتقدمة كالتوراة والإنجيل والزبور، وهو أيضا مهيمن عليها، أي حاكم عليها، وشاهد لها وعليها ومبيّنا حقيقة ما جاء فيها وما طرأ عليها، فهو أمين مؤتمن عليها.
وإذا كان هذا شأن القرآن ومنزلته، فاحكم يا محمد ومن جاء بعدك بما أنزل اللّه إليك فيه من الأحكام، دون ما أنزله إليهم، ولا تتبع أهواءهم، أي آراءهم التي اصطلحوا عليها، ولا تعدل عن الحق الذي أمرك اللّه به إلى أهواء وشهوات أولئك الذين يريدون الميل عما أنزل إليك، والعدول عن حكم الرجم والقصاص في القتلى.
فلكل أمة من الأمم جعلنا شريعة أوجبنا عليهم إقامة أحكامها، ومنهاجا وطريقا واضحا فرضنا عليهم سلوكه، بحسب مراعاة الأحوال والأوضاع والتطورات، وهذا كله في الأحكام الفرعية، وأما في المعتقد فالدين واحد لجميع العالم، توحيد وإيمان بالبعث (اليوم الآخر) وتصديق للرّسل، واللّه قادر على جعل الناس على ملّة واحدة أو دين واحد، ولكنه تعالى شرع لكل رسول شريعة على حدة بحسب عصره وزمانه، وأراد اللّه اختبار العالم فيما شرع لهم من الشرائع.
وإذا كان الأمر كذلك، فسارعوا أيها الناس إلى الخيرات، أي الطاعات وجدّوا في التسابق في الأعمال الصالحات، لخيركم وصلاحكم وإنقاذكم، ولإحراز الفضل والرضا الإلهي، والبدار البدار فإنه إلى اللّه معادكم ومصيركم، يوم القيامة، فيخبركم إخبار إيقاع بما كنتم تختلفون فيه من الحق، وسيجازيكم عليه كله، وحينئذ يظهر اللّه الثواب والعقاب. وقوله تعالى: {فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} آية بارعة الفصاحة، جمعت المعاني الكثيرة في الألفاظ اليسيرة، كسائر كتاب اللّه تعالى.
ثم أكّد اللّه تعالى لنبيّه الأمر بالحكم بما أنزل اللّه، فقال: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ} أي اقض بما أمر اللّه به، ولا تتبع أهواء المعاندين أو المعارضين فيما يخبرونك من أمور، ويقترحون من حلول، واحذر أيها النّبي أن يفتنك أعداؤك عن بعض ما أنزل اللّه إليك، أي يميلوا بك من الحق إلى الباطل، فإن تولوا وأعرضوا عما تحكم به من الحق، وخالفوا شرع اللّه، فلا تبال بهم، واعلم أن اللّه يريد أن يعذّبهم في الدنيا قبل الآخرة على ذنوبهم ومعاصيهم وتركهم أحكام الشريعة، ولا غرابة في ذلك فكثير من الناس لفاسقون، أي خارجون عن حدود الحق والدين والعقل الرشيد.
والعجب كل العجب من هؤلاء الذين يريدون إحياء فوضى الجاهلية والأخذ بالثأر وترك الدين الحق والحكم العادل في القصاص وعقاب الزّناة والتمييز الطبقي وإضاعة الحقوق وإشاعة الجور والظلم وحماية المجرمين، ولا حكم أعدل من حكم اللّه لقوم يدركون الحق، ويوقنون أنه لا أعدل من اللّه، ولا أحسن حكما من شرعه القويم.
موالاة غير المؤمنين:
أوجب القرآن الكريم التعاون بين أبناء أمة الإيمان وحدهم، والاعتماد على أنفسهم، وإشاعة الثقة والمناصرة فيما بينهم، وتكوين أمة واحدة قوية متعاضدة متآزرة في السّراء والضّراء، لها شخصيتها المستقلة، وكيانها الذاتي المتين لأن تكامل الأمة يقتضي الاحتفاظ بأسرارها، ومنع تسرّبها إلى أعدائها، وبناء وجودها بناء حصينا يمنع اختراقه وتمكين الآخرين من إضعافه، قال اللّه تعالى:


{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ (53)} [المائدة: 5/ 51- 53].
نزلت هذه الآيات في شأن رجلين أحدهما- عبادة بن الصامت الذي تبرأ إلى اللّه ورسوله من ولاية يهود، وتولى اللّه ورسوله، والثاني- عبد اللّه بن أبي زعيم المنافقين الذي أصرّ على موالاة يهود قائلا: إني رجل أخاف الدوائر.
نهى اللّه تعالى المؤمنين بهذه الآيات الشريفات عن اتّخاذ اليهود والنّصارى أولياء في النّصرة والخلطة المؤدية إلى الامتزاج والمعاضدة. فإياكم أيها المؤمنون أن تتحالفوا معهم، أو تسرّوا إليهم بأسراركم، ولا تطمئنّوا إلى صداقتهم ومحبّتهم أو موادتهم، إذ لن يخلصوا أو ينفّذوا العهد لكم، فبعضهم أولياء أو أنصار بعض، ومن يناصرهم أو يعينهم أو يستنصر بهم، فإنه في الحقيقة من جملتهم وكأنه مثلهم، وليس من صف المؤمنين الصادقين، وإن اللّه لا يوفق إلى الحق والخير القوم الظالمين أنفسهم بموالاة أعدائهم والاعتماد عليهم أيّا كان السبب.
وهذا النهي متعلق في شأن تعميق الصّلات والرّوابط والأحلاف مع غير المؤمنين، أما مجرد المعاملة والمتاجرة من غير مخالطة عميقة الجذور، فلا تدخل في النّهي، فقد عامل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يهوديا، ورهنه درعا.
ثم ميّز اللّه تعالى بين الموالي لأمّته وبين المعادي لها، المنضمّ إلى صفّ الأعداء، فأخبر اللّه نبيّه بقوله: ترى يا محمد أولئك المنافقين الذين في قلوبهم شك ونفاق، وإيمانهم ضعيف غير صحيح، ترى هؤلاء يبادرون في موالاة الأعداء، ويرغبون فيها رغبة أكيدة خالصة للشيطان، ويتصادقون معهم صداقة حميمة، ويقولون معتذرين بسبب انهزام نفوسهم وضعفها: نخاف أن نتعرض لدائرة تدور علينا، من دوائر الدهر، وأن تكون لهم الغلبة والتّفوق، وأن تكون لنا الهزيمة والضعف، والدائرة معناها: النازلة من الزمان، والحادثة من الحوادث التي تحوجنا إلى موالينا وأنصارنا من اليهود الأعداء.
ولكن هؤلاء المنافقين الانهزاميين نسوا جانب اللّه وتركوا مقتضى الإيمان، فالله يعد المؤمنين وعدا جازما بالنصر والغلبة، والفصل بين أهل الإيمان وجند الشيطان، فيصبح المتواطئون مع الأعداء نادمين على ما أسرّوا في أنفسهم من مناصرة أهل الباطل وجند الشيطان وأعداء أهل الإيمان. وقوله تعالى: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ} وعد قاطع من اللّه لأن عسى من اللّه واجبة التحقيق.
وظاهرة الفتح في هذه الآية: علو كلمة الإسلام، وتغلّب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على أعدائه الذين يخططون للقضاء على دعوته وإضعاف أنصاره.
لذا يقول الذين آمنوا متعجّبين من فعل المنافقين ومخاطبين الأعداء: أهؤلاء الذين أقسموا بالله وحلفوا الأيمان المغلّظة المؤكّدة: إنهم معكم، وإنهم مناصروكم على أعدائكم، ثم انكشفوا على حقيقتهم، وتبينت عداوتهم كما قال اللّه تعالى: {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56)} [التّوبة: 9/ 56].
أي إنهم جماعة خائفون يظهرون الإسلام تقية أو مناورة أو سياسة، لا حقيقة. ثم يضيف المؤمنون قائلين: هؤلاء المنافقون بطلت أعمالهم، التي يؤدّونها نفاقا من صلاة وصيام وحج وجهاد، فخسروا بذلك الدنيا، والأجر والثواب في الآخرة.
وهكذا الزمن كفيل بإظهار الأمور على حقيقتها، فلا بد من أن ينهزم أهل الشّر والباطل، وينتصر أهل الحق وجند الإيمان بعد الاستعداد الصحيح والتفافهم مع بعضهم، وإعزاز إيمانهم ودينهم كما قال اللّه تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (173)} [الصّافّات: 37/ 171- 173].
تهديد المرتدّين:
إن الثّبات على الحق والإيمان بالله تعالى مهما حدث من الحوادث والكوارث هو شأن المؤمن العاقل، الصحيح العقيدة، فلا يتزحزح عن إيمانه مهما اختلفت المصالح، أو تعرّض للإغراءات والمصائب، ويظل ثابتا على العهد والدين كأنه الجبل الأشمّ والصخرة العاتية. أما ضعاف الإيمان، والانهزاميون والمتذبذبون الجبناء، فهم الذين لا يصمدون للمحنة أو الأزمة، وتراهم سريعي التّبدل والتّحول من ساحة الإيمان إلى بؤرة الكفرة ومستنقع الشيطان وأعوانه.
لذا هدّد المرتدّين بأنهم لن يضرّوا إلا أنفسهم، فقال اللّه تعالى:


{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ (56)} [المائدة: 5/ 54- 56].
من المعلوم أنه ارتدّ عن الدّين إحدى عشرة فئة، ثلاث قبائل أيام النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم:
وهم بنو مدلج بزعامة الأسود العنسي، وبنو حنيفة بزعامة مسيلمة الكذاب، وبنو أسد بزعامة طليحة بن خويلد، وسبع قبائل في عهد أبي بكر الصّديق، وهم غطفان وفزارة وبنو سليم، وبنو يربوع، وبعض بني تميم بزعامة سجاح الكاهنة، وكندة، وبنو بكر. وارتدّ جبلة بن الأيهم من الغساسنة وتنصّر ولحق بالشام والروم.
فنزلت هذه الآيات السابقة خطابا للمؤمنين عامة إلى يوم القيامة، وأشارت إلى القوم الذين قاتلوا أهل الرّدة والذين يأتي اللّه بهم وهم: أبو بكر الصّديق وأصحابه رضوان اللّه عليهم.
ومعنى الآيات الكريمات: أن اللّه وعد هذه الأمة أن من ارتدّ منها، فإنه تعالى يجيء بقوم ينصرون الدين، ويستغنى بهم عن المرتدّين، فكان أبو بكر وأصحابه ممن صدق فيهم الخبر في ذلك العصر السابق في صدر الإسلام. فمن يرتد عن دينه في المستقبل، فسوف يأتي اللّه بقوم بديل عنهم، وصفهم القرآن الكريم بستّ صفات:
1- إنهم أناس يحبّهم اللّه تعالى، أي يثيبهم أحسن الثواب على طاعتهم، ويرضى عنهم.
2- ويحبّون اللّه تعالى باتّباع أوامره واجتناب نواهيه.
3- وهم أذلّة على المؤمنين، متواضعون لهم، متفاهمون معهم، متعاونون.
4- وهم أعزّة على الكافرين، أي أشدّاء متعالون عليهم، معادون لهم كما قال اللّه تعالى في وصف المؤمنين في آية أخرى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 48/ 29].
5- وشأنهم أنهم يجاهدون في سبيل إعلاء كلمة اللّه ودينه، ومن أجل مناصرة الحق والخير والفضيلة وتوحيد الإله، ويدافعون عن الأوطان والأهل والديار والبلاد.
6- وهم لا يخافون في اللّه لومة لائم، أي لا يخشون لوم أحد واعتراضه ونقده، لصلابتهم في دينهم، ولأنهم يعملون لإحقاق الحق، وإبطال الباطل، على نقيض المنافقين الذين يخافون لوم حلفائهم وأنصارهم من الأعداء.
هذه الصفات السّت التي اتّصف بها هؤلاء المؤمنون المخلصون هي من فضل اللّه العظيم، واللّه سبحانه يؤتي فضله من يشاء، ويوفق إليه من يريد، واللّه واسع عليم، أي ذو سعة فيما يملك ويعطي، كثير الأفضال، عليم بمن هو أهلها، يمنح فضله وإحسانه ونعمه على من يجد فيهم الاستعداد الطيب لها.
وبعد أن نهى اللّه تعالى عن موالاة الأعداء، أمر بموالاة ومناصرة اللّه ورسوله والمؤمنين، فأنتم أيها المؤمنون إنما وليّكم وناصركم بحق هو اللّه ومعه رسوله والمؤمنون الذين يقيمون الصلاة، أي يؤدّونها كاملة تامّة الأركان والشروط، ويؤتون الزّكاة، أي يعطونها بإخلاص وطيب نفس لمن يستحقّها، وهم خاضعون لأوامر اللّه، بلا ضجر ولا رياء. وإيتاء الزّكاة هنا لفظ عامّ يشمل الزّكاة المفروضة والتّطوع:
بالصّدقات والقيام بكل أفعال البر إذ هي تنمية للحسنات، مطهرة للمرء من دنس الذنوب. وهذه الآية في جميع المؤمنين.
ثم أوضح القرآن المجيد مبدأ عامّا، مفاده: أن من يناصر دين اللّه بالإيمان به والتوكل عليه، ويؤازر رسول اللّه والمؤمنين دون أعدائهم، فإنه هو الفائز النّاجي، وهو الذي يحقق النّصر والغلبة على المناوئين، وحزب اللّه بحق، دائما هو غالب، كما قال اللّه تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 58/ 21] إلى قوله: {أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 58/ 22].
العلاقة مع غير المؤمنين:
من الطبيعي أن تحتفظ كل أمة أو جماعة بأسرارها فيما بينها، ولا تبيح بشيء منها لأعدائها، وإلا كانت جماعة حمقاء طائشة، سرعان ما يهدّد وجودها الضّياع والذّوبان وتسلّط الأعداء عليها، لهذا حذّر القرآن الكريم هذه الأمة من اتّخاذ الأنصار والأعوان من غيرها، منعا من التّشتّت والهزيمة، وحفاظا على العزّة والقوة والمجد، قال اللّه تعالى:

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9